Follow us

image

صوتنا – باسم عربيد من ألمانيا: هل أنتم على استعداد؟

جبلنا ماغازين – صوتنا

باسم عربيد (من هلديزهيم – ألمانيا) كتب الآتي:

طال الغياب عن الديار التي عشقتُها وترعرعتُ في أحضانها وكبرتُ تحت سمائها وارتويت الصدق والمحبة من ينابيعها وشربتُ مع الحليب فيها الرحمة. ولكن، أجبرتني الظروف ان أغيب عنها، ولم يزل كل شيء فيها يجري في عروقي، وانا دائماً اتابع اخبارُها.

بعد مرور تلك السنين سمعتُ الكثير عنها وما زلت اتابع كل شيء، يتحدثون باستمرار انها تغيرت وتبدلت معالمها وحتى الحياة فيها وكل شيء. حتى الأمور التي نشأنا عليها تغيرت! لذا قررتُ أن أزورها لأستعيد ذكريات لها في قلبي وعقلي وشخصي وتكوين شخصيتي الكثير الكثير، ولأرى بنفسي ماذا تغير فيها..

بعد طول غياب، صعدتُ إلى متن الباخرة وانطلقنا الى بيروت. وفي البحر راحت الباخرة تتأرجح بنا، وما هي الا ساعات حتى أنهكني التعب، فاغمضت عيني وعدتُ بالحلم الى الطفولة حيث كنتُ اتأرجح على المرجوحة المعلقة في الشجرة قرب المنزل. فبين التأرجح في المرجوحة الموجودة في الحديقة والتأرجح في البحر ضاعت بي السنين. وبعد ليلٍ عدة وصلتُ اليها والدمعة في عيني لا اعلم ان كانت دمعة البعد او دمعة الحب او دمعة الفراق او دمعة السعادة... ففي تلك اللحظة امتزجت جميعها ببعضها بعضاً وتساقطت على ارض الميناء .

كانت هذه الرحلة بالنسبة لي اختباراً لأرى بماذا أستطيع ان اساعد بلدي وناسي، وان اكتشف كل شيء بنفسي وحقيقة ما يشاع .

للنظرة الاولى.. نعم تغيرت معالم الطبيعة وكثرت المباني والمحال، وما اكتشفته بعد التجول فيها ومخاطبة الناس انها لم تتغير، فما زالت ارضها خصبة، ولكن الأنسان فيها هو الذي تغير، وأصبح أشبه بالآلة التي تعمل على الكهرباء... والكهرباء مقطوعة! أناسٌ هاجرت قلوبهم الرحمة. غاب العقل ولم يعد له دور اساسي في حياة الفرد اليومية. ماتت المحبة، حتى بين الاسرة الواحدة. قلّ الضمير وانحدرت الاخلاق وغابت الشهامة. اما الرجولة، فأصبحت عملة نادرة وكثُرت العادات السيئة المستوردة إلى حدّ أنها أصبحت في بعض الأحيان صناعة محلية مزيفة يتباهون بها، وأصبحت المرأة سلعة يتاجرون بها.

خفتُ من هذا المشهد المريب وأحسست أنني ضائع! وعلمتُ علم اليقين ان الاشياء الجميلة والقيّمة تغيرت أو غابت ورحلت عن تلك الارض...

عند هذه الصورة القاتمة أحسست انه واجب علي ان أساهم انا وغيري قدر المستطاع لاستعادة ما خسرناه في مجتمعنا. فذهبت أبحث عن تلك الخصال والعادات الحميدة بين اغلب الموجودين في بلدي فلم اجدها! راودتني فكرة: بما أن كل شيء اصبح مستورداً، فلماذا لا نستورد الاشياء القيمة الجميلة ونعيدها الى مكانها الطبيعي حيث اصبح الشعب بحاجة ماسة إليها؟

عدت الى اوروبا من حيث أتيت لأبحث عما ينقصنا... عن عقول لم يستعملها أصحابها بعد!! فلم اجد. لأنهم هناك يعرفون قيمتها واستعملوها لتطوير مجتمعاتهم وحياة أفرادهم ولا يستغنون عنها.

ذهبت أبحث عن ضمير! فلم اجد من يستغني عن ضميره مقابل المال.

بحثت عن المحبة كي اشتريها وأرسلها هدية الى وطني لعلها تعيد البسمة والفرح والسعادة والامل! ففوجئت بأنها موجودة ولكنها لا تباع لأنها تنبع من داخل كل شخص آمن بها وسعى من أجلها.

عدت مجدداً الى الديار التي ولدتُ فيها وذهبت ابحث عما ينقذ الانسان والإنسانية لعلها مخبأة في مكان ما! فوجدت العقول موجودة بكميات كبيرة لما تستهلك بعد ولكنها مجمدة في ثلاجات مذهبية.

بحثت عن الضمير فوجدته في سلال المهملات تغطيه حفنة من الدولارات وتعمي بصيرته.

بحثتُ عن الشهامة والرجولة فوجدتها خلف القضبان تنظر من بعيد إلى ما بجري وتحتضر.

أما الرحمة، فعندما بحثت عنها أجابوني بأنها تحفظ فقط في المعابد، ولكي تحصل عليها يجب ان تدفع الثمن والزكاة لملوك المعابد وحاشيتهم، وثمنها غالٍ ولا سبيل إليها إلا لأصحاب المال والنفوذ.

فيا أيها القوم اذا اردتُم ان تغيروا الواقع المرير وتعيدوا للانسان كرامته وللانسانية مكانتها، فالفرصة أمامكم وبين ايديكم: ابحثوا عن الانسان بداخلكم بتجرد فتجدوا الرحمة والعقل والضمير والمحبة والاخلاق والشهامة والكرامة والعزة والعنفوان والغفران مزروعين وجذورها تمتد في كل فرد منكم ولكنها نائمة يجب ايقاظها بماء المحبة!

كل ما نحتاج إليه هو صحوة ضمير، ويعود كل شيء، والدنيا تبتسم لنا من جديد! فهل أنتم على استعداد؟

*باسم عربيد


(الصورة المرفقة في الإطار في أعلى الخبر هي لبلدة "عين عنوب")